الابتلاءات سنة من سنن الله عز وجل في الحياة الدنيا؛ لاختبار العباد وتمحيص إيمانهم. ولأن الدنيا دار ممر لا مستقر فإن المُنغصات والابتلاءات لا محال منها لكنها تختلف في الدرجة من شخص لآخر وكذلك يختلف نوع الابتلاء. فقد تكون خاصة بشخص بعينه أو أسرة بعينها فتُبتلى بالفقد مثلاً. وقد يكون الابتلاء عاماً يصيب مجموعة كبيرة ضمن نطاق محدد كما حدث في عهد عمر بن الخطاب – رضي الله عنه- حين انتشر وباء الطاعون.
أما الآن وفي هذا الوقت بالتحديد ونحن نعاصر فايروس كورونا نحن نقف مع أكثر الابتلاءات شمولية فقد امتد إلى جميع الأمم على اختلاف أجناسها وأوطانها.
إن الابتلاء في حد ذاته وبكل أنواعه يمكن اعتباره منبه يعطينا إشارات لبعض الأمور التي تحتاج منا لوقفة تأمل في اتجاهين:
وقفة تجاه حالنا مع الله
فبالرغم من الشدة التي يحاصرنا بها الابتلاء لكن له وجه إيجابي إن أدركنا الحكمة منه؛ لنصحح مسارنا مع الله بعد أن انشغلنا ببعض أمور الدنيا، وتغافلنا عن بعض واجباتنا؛ فهنا قد تكون الإشارة لنرجع إليه سُبحانه.
وقفة تجاه حالنا من أنفسنا
لنصحح أيضاً مسارنا في العناية بأنفسنا جسمياً فنبتعد عن كل ما يؤذينا ونعتني بها بشكل أفضل. وكذلك نعتني بها نفسياً؛ لتكون قوية وصلبة تتغلب على الكثير من الصعاب دون أن تُكسر. فتحتاج النفس الإنسانية لبعض الشدائد لتمتحن قوتها. فهي تُصقل بالشدائد لتخرج أفضل ما تملكه من ملامح إن حافظت على تماسكها وقوة عزبمتها؛ لتخطي المرحلة الصعبة.
إن النظرة المتأملة لواقعنا وما نعاصره من وباء واسع الانتشار نجد أنه يفرض نفسه على المجتمع وبالتالي ينقسم أفراد المجتمع حياله لطائفتين:
فتنظر إليه شريحة واسع من أفراد المجتمع على أنه بخاصية الشمولية التي يحاصرنا بها يجعل حالنا كغيرنا من الأمم فيزدادوا تسليماً لأمر الله ورضاً بما قدره فتهدأ أنفسهم وتطمئن وتزداد توكلاً على الله؛ فيتجهون للعمل بالأسباب الوقائية بطريقة تُبرز ما يمتلكونه من وعي وحس للمسؤولية بالحد الأدنى من الألم والخوف.
أما الشريحة الأخرى فقد تنظر إليه على أنه مصدراً للرعب بشموليته فتزداد أنفسهم قلقاً وتوتراً؛ لتوقع ما هو أخطر وترقب ما يتهولون من حدوثه. ولذلك أثره النفسي السلبي على صحتهم النفسية فقد يوقعهم هذا القلق الترقبي في معاناة نفسية خاصة مع كثرة الضغوط الحياتية والتوتر الحاصل ويزداد الأمر سوءاً إن رافقه ضعف في مهاراتهم في أساليب التعامل مع الضغوط والمُتغيرات الحياتية الصعبة. وكذلك له أثره السيء على الشخصيات القلقة التي تُعتبر الأكثر استعداداً لدائرة الأفكار السلبية المزعجة .وقد يكون للبعض معاناة من مشكلات نفسية تجعل من الوضع الراهن أثره الضاغط على مساحة الصحة النفسية لديهم .فضلاً على صلابة بعض الشخصيات مما يجعلها تجد صعوبة في التكيف مع المتغيرات الحياتية فكيف بمتغيرات ذات ضغوط صادمة و غير متوقعة تُشعرهم بالضعف تجاه ما يحدث والعجز عن التكيف أو التغيير فيشعرون أنهم وأحبتهم قاب قوسين أو أدنى من الخطر مما يؤثر على جودة حياتهم ويوقعهم في نوبات من الهلع أو الصدمات النفسية ،وقد يُحرمون النوم وملذات الحياة ترقباً للسيناريو الأسوأ الذي أنتجته أفكارهم السلبية برعاية ما يسيطر عليهم من قلق!
إن أهم ما يمكننا فعله للحد من التداعيات النفسية للوضع الراهن أن نخرج من دائرة المشاعر والتفكير الغير عقلاني الذي يُفرز سيناريوهات لها أبعاد كارثية، وأن نلزم الهدوء والجانب الوقائي ويمكن الاستفادة من بعض التعليمات التي تساهم في الحفاظ على المنظومة النفسية لدينا والتي من أهمها:
إن من أهم الأمور التي نحتاجها كأفراد ومجتمعات هي تعلم الإدارة النفسية لمتغيرات الحياة الصعبة ومواجهة الكوارث وما بعدها- والتي منها (وباء كورونا) – ضمن نطاق علمي وخطوات ممنهجة تمنحنا البعد الوقائي منه ومن تداعياته بالأسلوب الذي يتناسب مع كافة شرائح المجتمع؛ ليستعيد المجتمع تماسكه أثناء الأزمة ..وعافيته بعد أن يمُن الله علينا برفع البلاء.