اختلف إيقاع الحياة بشكل عام في السنوات الأخيرة عنها قبل عدة سنوات في كثير من الأمور.حيث ازدادت الأعباء المادية والتي تسببت في ازدياد الضغوط الحياتية. ونتيجة لذلك ازدادت الأعباء التربوية؛ لأن الأعباء المادية دفعت لفترات أطول من العمل للأب إن لم يكن لكلا الوالدين مما أدى للانشغال عن الأبناء. وتزامن هذا الانشغال مع دخول عوامل جديدة ذات تأثير كبير على المسار التربوي كالانفتاح الذي عمل كموجه للأولاد في كثير من أمور حياتهم. فأصبح مرجعهم الأول بدلاً من الوالدين وبالتالي أضاف عبئاً كبيراً عليهما في توجيههم وتصحيح مسارهم التربوي.
ومع هذه الأعباء المتزايدة يقف الأب الواعي كثيراً ويتساءل ما دوري التربوي تجاه أبنائي؟ وهل من واجبي القيام بأعباء العمل خارج البيت وأعباء التربية داخله؟
حقيقة إن التربية وظيفة كلا الأبوين وذلك حسب ما حباه الله من طاقة. لكن تظل الأم المحور الرئيسي في التربية لما هيأها الله عليه من مرونة وحنان تستوعب من خلاله الأبناء فضلاً عن قربها منهم. أما الأب فلا نستطيع إغفال أهمية مشاركته التربوية لكن من المهم أن تكون وفق منهجية تجمع بين كونه له مسؤولياته الكثيرة خارج البيت وبين كونه أب يحتاج الأولاد للمساته التربوية لإعادة انضباطهم ولشعورهم بالأمان.
ولذلك يمكن تقسيم مشاركة الأب التربوية لنوعين:
فقد لا يتسنى للأب أن تكون مشاركته التربوية الظاهرة بقدر كبير في كثير من الأوقات لانشغاله خارج البيت فجل وقته في عمله؛ لذلك فمشاركته غالباً ما تكون محدودة في التعاون مع الأم في الإنصات للأولاد وغرس القيم وتعديل السلوكيات.. لذلك فإن هذه المهام تكون بشكل أكبر مندور الأم التربوي.
ورغم أهمية هذا الدور التربوي ولا شك في ذلك لكن قيام الأب بالدور التربوي غيرالظاهر لا يقل أهمية عن الدور الأول. وقد يكون الدور الذي يناسب معظم الآباء ويتناسب مع بنيتهم النفسية وانشغالهم خارج البيت لفترات طويلة. فضلاً على أن غيابه فترات طويلة عن البيت تجعل من سلوكياته داخل البيت محط أنظار وقدوة يستنسخ منها الأولاد الكثير من سلوكياتهم ويخطوا على نهجه في الكثير من اتجاهاتهم الحياتية. لذلك فإنه إن لم يتيسر له إلا القليل من الأدوار الظاهرة فمن المهم ألا يغفل عن قيامه بالتربية غير الظاهرة والتي تنقسم لثلاثة أقسام:
قد لا يتوفر للأب الوقت الكافي لمتابعة الأبناء في أوقات كثيرة لكن إن أحسن التربية بسلوكه الإيجابي أمامهم وكلماته الراقية وكذلك الاتزان بالمنع والعطاء في إطار أسرة مستقرة فإن القليل من الوقت سيمنحه نتائج كثيرة الإيجابية. فالعبرة ليست بالوقت المستقطع بل بما في ذلك الوقت من قيم وأساليب تحمل دروس قصيرة لكن مثمرة وتجعل من كل كلمة من الأب كأنها قانون لا يجب مخالفته. وكل اهتمام منه إشباع للكثير من احتياجات الأبناء وفي غيابه شوق للقياه وإعذار له على ما يلقاه من متاعب.
كما أنه بتعاونه مع الأم تُصبح التربية لمسات من حين لآخر حسب ما يتطلبه عمر الأولاد وحاجاتهم المختلفة. فلو أحسنت الأم قيامها بالدور التربوي الظاهر بالمقام الأول وأحسن الأب قيامه بالدور غير الظاهر بالمقام الأول؛ لحصل التكامل التربوي دون أن تتحمل الأم التكاليف التربوية وحدها. أو تحميل الأب عبء تربوي قد يضيق به وقته ولا يجد له متسع في زحمة أعماله. وفي كلا النوعين من التربية لابد أن يكونا على قدر من التفاهم والصبر والمصاحبة للأولاد فذلك يسهل عليهما الأمور التربوية، والوصول لقلوبهم وتقبلهم لما يقولانه على أنه نصيحة من محب بدلاً من مقاومته على اعتبار أنه أمر من ذو سلطة عليهم.